المطلب الأول:الأثر المترتبة عن رسوم استمرار الحيازة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية
اهتم المشرع المغربي législateur marocain برسم اثبات الملكيةpreuve de propriete- اهتماما خاصا، بحيث أسند الاختصاص نفي توثيقه للعدل كمهني مؤهل وموثوق به للتعاطي مع هذا
الاختصاص بمهنية عالية في ميدان العقارات غير المحفظة.
كما فرض بشأنه مسطرة اجرائية خاصة يتعين على الراغب في انجازه احترامها بكل
تفاصيله المرسومة قانونا وعملا،ثم أوجب على العدل مراعاة مجموعة من القواعد
الشكلية والموضوعية خلال عملية صياغة لاسم استمرار الحيازة
،ودلك بغية تحقيق مجموعة من
الأهداف المرتبطة أساسا باستقرار الملكية العقارية وحمايتها وتحصينها ،علاوة
على الأهداف والغايات المتعلقة بالتنمية بصورها كافة.
وعليه فان لرسم اثبات الملكية التي ينجزها العدولتفدم خدمات أساسية في
المجال التنموي اقتصاديا واجتماعيا وعقاريا..الخ،وتسهم بشكل مهم في انعاش
الاقتصاد الوطني relancer l'économie nationale
وتوفير السيولة المالية للدولة وتحفز على الاستثمار وتيسر عمليات التداول
العقاري والتحفيظ وما يرتبط بدلك من تنشيط للدورة الاقتصادية والأنشطة
العقارية.وبناءا عليه سنقسم الدراسة في هدا المطلب الى فقرتين،لنتعرض في
(الفقرة الأولى) مظاهر التنمية الاقتصادية ،لننتقل في (الفقرة التانية) للمظاهر التنمية الاجتماعية.
الفقرة الأولى: مظاهر التنمية الاقتصادية
يعتبر العقار أساس كل تنمية، وعليه فمكانته في الاقتصاد الوطني تحتل مركزا
مهما لكونه يساهم في تداول الأموال بين الأفراد والجماعات، وعلى هدا الأساس
فان العقار يشكل أحد العناصر الأساسية التي تعتمد عليها الدولة المغربية في مخططاتها
التنموية من خلال استتماراتها الضخمة، ودلك بالنظر الى كونه يشكل الدعامة
الأساسية لتشجيع الاستثمار واستدامة التنمية وانعاش الحركة الاقتصادية
لما يدره من فوائد وأرباح على الفرد و المجتمع باعتباره أساسا متينا لانطلاق
المشاريع السكنية والصناعية و التجارية والحرفية والمهنية والسياحية
من جهة،وباعتباره أحد الوسائل الكفيلة بتحقيق تنمية اقتصادية محققة
للاستقرار السياسي وضابطة للسلم الاجتماعي من جهة ثاني, غير أن تحقيق
الأهداف الكبرى المتعلقة بالتنمية الاقتصادية عن طريق توظيف الملكية العقارية
رهين بتوفير الية الاثبات بواسطة رسوم ووثائق التي تشكل أساس كل عمليات
الاستثمارية الضخمة والمتوسطة والصغرى كذلك، فالمستثمر ينطلق في مشروعه
الاقتصادي من انجاز العقدلدى المهني المختص الذي يشترط بشأنه اثبات تماك
العقار موضوع التفويت من طرف الشخص المالك المتعاقد معه، ويستوي في ذلك أن
يكون مشروعا فلاحيا أو صناعيا أو تجاريا أو مهنيا..، فانه لابد أن يتم بشأنه
تحرير عقد الذي يتأسس بدوره على أصل التملك.
وفي هذا الشأن يساهم رسم اثبات الملكية الذي ينجزه العدول بشكل
قوي في بعث الحياة القانونية للعقارات غير المحفظة التي لا تتوفر
بشأنها أصحابها على أصول التملك، وكذا ادماجها في مسلسل التنمية
الاقتصادية والعقارية .
فكما لا يخفى على أحد أن العقارات غير المحفظةImmobilier hors portefeuille
تغطي نسبة كبيرة من الأراضي الخاضعة لنظام الماكية الخاصة بالبلاد ، وأن نسبة مهمة منها لا
يتوفر بشأنها أصحابها.
على رسوم الاثبات،فكم من مالك حائز لا يتوفر على رسم يثبت به ملكه، وهو ما
ساهم في تجميد الوضعية القانونية لهذه العقارات، بحيث أضحت خارج دائرة
التعامل ولا تساهم في حلقات مسلسل التنمية الاقتصادية،لا يمكن أن تكون محلا
لابرام التصرفات و المعاملات التي تشكل قوام الاستثمار بأصنافه المختلفة بدون
وثائق اثباتوهكذا فقد تأثر أصحاب هذه العقارات من اكراهات
قانونية وواقعية حالت دون انتهاج أسلوب الاستثمار فيها نتيجة عدم توافر رسوم
الاثبات بشأنها وتعقيدات مسطرة انجازها ، ووعيا من المشرع المغربي بأهمية
العقارات غير المحفظة وبالدور الهام الذي يمكن أن تلعبه في حقل التنمية
الاقتصادية ومجال الاستثمار سعى منذ وقت مبكر الى تنظيم مسطرة انشاء الرسوم
واقامة الملكيات بشأنها بقصد تأهيلها لادماج في مناج الاستثمار وجعلها تشارك
في عجلة الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية.وفي هذا الشأن يقول أحد
الباحثين مايلي:"لقد لعبت الوثيقة العدلية دورا مهما في هذا الباب وبالأخص في
الأونة الأخيرة اذ تمككن كثير من هؤلاء من اقامة رسوم لممتلكاتهم مما شجعهم
على التصرف والاستغلال و الاستثمار أو المعاوضة أو البيع فتحقق بذلك رواج
كبير الدولة في عالم القروي ،كما كان له أثر كبير على خزينة الدولة ".وعليه
فان رسم اثبات الملكية في مجال العقارات غير المحفظة الى جانب دوره المركزي
في اثبات حق الملكية لصاحبه وتحصينه ضد الترامي والاعتداء ، فانه "ينشط
الحركة الاقتصادية والاجتماعية وينمي مداخيل الدولة ويعمل على استخلاصها في
أجلها المحدد ،فاذا لم تؤد الواجبات المستحقة للدولة فانه يمنع على العدلين
القيام بتحرير واتمام ما تلقياه من المتعاقدين ،وعليهم أن يشعرا المتعاملين
بذلك تحت طائلة تعرضهما للعقوبة المنصوص عليها في القانون" .
وتأسيسا على ما سبق فان رسم اثبات الملكية يساهم في
انعاش الحركة الاقتصادية والرواج الاقتصادي وتنمية الموارد المالية للدولة
اما بشكل مباشر أو غير مباشر.
فأما الموارد المالية المباشرة فيقصد بها تلك الواجبات الضريبية allégeances fiscales أو واجبات
التسجيل المفروضة مباشرة على انجاز رسم اثبات الملكية ،حيث نص المشرع المغربي
في المادة 133من المدونة العامة للضرائب على أنه:(..باء تخضع لنسبة 3
:..6_صكوك اثبات ملكية العقارات المشار اليها في المادة 127(1"جيم"_2).
وتشكل نسبة 3 من المبالغ المنصوص عليها في الرسوم اثبات الملكية نسبة
مهمة ، وتسهم بشكل وافر في انعاش وتنمية مداخيل خزينة الدولة وتؤدى يشكل
اجباري عند توثيق رسوم الملكية لدى ادارة التسسجيل و التنمبر التابع لها موقع
العقار موضوع تأسيس الملكية.
أما فيما يخص الموارد المالية غير المباشرة فيقصد بها تلك الواجبات الضريبية المفروضة على عقود التفويت المؤسسة على رسوم اثبات الملكية،بحيث يساهم رسم اثبات الملكية بشكل غير مباشر في تحصيل مبالغ مالية مهمة استوجبها المشرع المغربي بنسب مختلفة على مجموعة من العقود العقارية،نذكر منها"التفويتات العقارية بين الأحياء بعوض و التفويتات بين الأحياء بدون عوض" اذ وردت على عقارسواء كان مبنيا أو عاريا استلزم بخصوصه المشرع المغربي واجب التسجيل وأخضعها للتسجيل الاجباري. وبناء على ما سبق يتبين بأن رسوم اثبات الملكية يشكل مصدرا أساسيا في تنمية مالية الدولة اما بشكل مباشر أو غير مباشر،فالدولة تحتاج لضمان تغطية نفقاتها الى مصادر التمويل فيمكنها من ناحية أولى أن تحصل على موارد دائمة تبقى مكسبة لماليتها وتسمى أيضا بالموارد العادية،كما يمكنها من ناحية ثانية وفي حالات ظرفية أو استثنائية أن تلجأ الى موارد مؤقتة باصدارها للقروض،ويترتب عليها آنداك مستقبلا رد المبالغ التي حصلت عليها،وهو الأمر الذي يقتضي منها ضرورة توفير موارد ثابتة موازية لها بقصد تغطية ارجاع مبالغ القروض.
وحجمها الكبير فحسب،وانما الى طبيعتها المتصفة بصفة الديمومة، فالموارد والمداخيل الجبائية تشكل موارد دائمة لميزانية الدولة عكس الموارد المالية المرتبطة بالقروض و الاستدانة التي تظل مؤقتة وتكتسي طابع ظرفي فقط، وصفوة الكلام يمكن التصريح على أن رسوم اثبات الملكية في مجال العقارات غير المحفظة تساهم بشكل مهم في ميزانية الدولة من خلال الرسوم الجبائية المفروضة عليها خلال عمليات الانشاء و الانجاز،كما تسهم بفعالية في التداول العقاري وابرام التصرفات العقارية وما يرتبط بها من استخلاص لمبالغ مالية ضخمة لفائدة الدولة عبر مصالحها الضريبية، وهوما ينعكس ايجابا على التنمية الاقتصادية وانعاش الاقتصاد الوطني برمته
الفقرة الثانية: مظاهر التنمية الاجتماعية
سبقت الاشارة الى أن هناك نسبة مهمة من العقارات غيرمحفظة لا يتوفر بشأنها أصحابها
على رسوم الملكية وان كانو ملاكا حقيقيين ، بحيث يحوزونها حيازة هادئة خالية
من المنازعات ويتصرفون فيها بجميع أنواع التصرفات المادية دون القانونية،على
اعتبار أن هذه الأخيرة تتوقف حتما على سند الملكية لكي يتم التصرف القانوني
وفق ما يقتضيه القانون،وهو ما يضفي عليها وضعا معقدا يجعلها لا تخدم التنمية
بالشكل المرغوب فيه ولا سيما على المستوى الاجتماعي لأصحاب هذه الأصناف
العقارية،فمن الناحية الاجتماعية نسجل أن هذه الآصناف العقارية لا تساهم في
تحسين الآوضاع الاجتماعية لأصحابها، ولا تلبي الحاجات الاجتماعية المتطلبة
لملاكها على اعتبار أن استثمار فيها يظل محدودا ان لم نقل يكاد أن يكون فيها
منعدما، غير أنه على النقيض من ذلك تماما عندما تنجز لهذه الآصناف العقارية
حجج ووثائق الاثبات في ايطار ما يسمى ب"رسوم اثبات الملكية"،فان فرص
الاستثمار فيها تكون متاحة بشكل أكثر مردودية وبالفعالية الناجعة.
وهكذا فان رسم اثبات الملكية على صعيد الواقع الاجتماعي يؤدي الى الاسهام في
تطوير وتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للملاك الراغبين في اقتحام عالم
الاستثمار في
مجالات الانتاج والاسكان وغيرها، كما أن الرسم السالف الذكر يساهم في حماية
حق المالك في ملكيته العقارية ويضع حدا للمنازعات ويساهم في التقليل منها
ويقوم بدور كبير في مجال اثبات حق الملكية العقارية وتحصينه وحمايته،"ويبرز
هذا الدور بشكل جلي عند المنازعة في هذه الحقوق أمام القضاء،فهي التي تساعده
على القيام بوظيفته التي تتجلى بالاساس في حماية حقوق الاشخاص والجماعات
وضمان حرياتهم وتكريس أمنهم القضائي وتطبيق القانون،وذلك من خلال تمكين صاحب
الحق_الذي أعتدي عليه_من التصرف فيه،والزام من اغتصبه بالكف عن التعرض له ،
والقضاء لا يسطيع أن يتوصل الى الحقيقةأمام تشبث كل طرف بصحة ما يدعيه من
الدعاوى،الا بواسطة الحجج والبراهين التي يقدمها كل طرف في الدعوى", وبذلك
يساهم بشكل كبير في توفير الحماية القانونية لحق الملكية في بعديها الوقائي
والقضائي،ويشكل أساس كل الاسثتمارات الحقيقية في المجال السالف الذكر، ويعتبر
الآلية الملائمة والمناسبة لتوفير شروط الاسثتمار وتحقيق المشروعات المنتجة
في شتى المجالات وما يترتب عن ذلك من انعاش للمداخيل المالية للمالك وتوظيفها
بالتالي في خدمة الجانب الاجتماعي وتغطية نفاقته المتنوعة، مما يؤدي الى
تحقيق نتائج مهمة يكون لها وقع ايجابي على الأمن والسلم الاجتماعي وعلى
التنمية الاجتماعية بصفة عامة.
تعليقات
إرسال تعليق