طبقاً لمقتضيات المادة 6 من القانون التنظيمي رقم 128.12 المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قرر المجلس الانكباب، في إطار إحالة ذاتية، على إعداد تقرير حول موضوع الحكامة الترابية وفي هذا الصدد، عَهِدَ مكتب المجلس إلى اللجنة الدائمة المكلفة بالجهوية المتقدمة والتنمية القروية والترابيّة بإنجاز هذا العمل وخال دورتها العادية الرابعة بعد المائة، المنعقدة بتاريخ 28 نونبر 2019 ، صادقت الجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالإجماع على التقرير الذي يحمل عنوان « الحكامة الترابية: رافعة للتنمية المنصفة والمستدامة »، والمنبثقِ عنه هذا الرأي.
ملخص
مكنت الإصلاحات التي جرى إطلاقها لحد الآن في إطار ورش الجهوية المتقدمة من تحقيق تقدم مهم، كما أنها تُعَبِّرُ عن إرادة السلطات العمومية في تمكين الباد من تنظيم ترابي قادر على رفع التحديات الجديدة في مجال التنمية الترابية، وعلى الاستجابة لانتظارات المواطنات والمواطنين.
وبعد أربع سنوات من دخول القوانين التنظيمية الثلاثة المتعلقة بالجماعات الترابية حيز التنفيذ، وعلى إثر صدور المراسيم التطبيقية ذات الصلة والبالغ عددها 68 مرسوما، وكذا الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، فقد تبين، من خال التحليل والوقوف عند تقييم مختلف الفاعلين والخبراء الذين تم الإنصات إليهم، أن نموذج الحكامة الترابية القائم حاليا يظل دون الطموح المنشود في بداية هذا المسار.
وتبين من خال دراسة أداء الفاعلين والعلاقات القائمة بينهم ومع الأطراف الأخرى المعنية، وجود أوجه قصور تتعلق بتَمَلُّكِ وتنزيلِ وتفعيلِ آليات القيادة والإشراف والتنسيق على المستوى الوطني والترابي.
ويعزى هذا الوضع إلى مجموعة من العوامل :
■ نصوص تشريعية وتنظيمية تعوزها الدقة، لا سيما على مستوى المقتضيات المتعلقة باختصاصات الجماعات الترابية؛
■ الموارد المالية المخصصة للجماعات الترابية غير كافية وتظل مرتهنة بشكل كبير بالدولة؛
■ منظومة لتدبير الموارد البشرية على المستوى الترابي تتسم بضعف جاذبيتها؛
■ ضعف الإعمال الفعلي لآليات الديمقراطية التشاركية والمشاركة المواطِنة؛
■ غياب نظام موحد للمعلومات الترابية، تقتسمه كل الأطراف المعنية؛
■ غياب آلية للتتبع والتقييم المستقل على المستوى الترابي.
ارتكازا على هذه الملاحظات، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره بتسريع مسلسل تنزيل الجهوية المتقدمة الذي جرى إطلاقه، من خال اعتماد سلسلة من التدابير العملية التي يمكن أن تتمحور حول المحاور الرئيسية التالية :
يهم المحور الأول توضيح اختصاصات الجماعات الترابية، من خلال السهر على :
■ تعديل القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية بما يسمح بالمزيد من توضيح اختصاصاتها، عبر تحديد نطاق تدخل كل مستوى من المستويات الترابية حسب طبيعة الاختصاص؛
■ وضع آليات تمكن الجهة من الاضطاع بمكانة الصدارة المُخَوَّلَةِ لها بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. وهي آليات ينبغي أن تسمح للجهة بتنظيم تدخات مختلف الفاعلين بشكل منسجم؛
خويل المدن الكبرى بالمملكة وضعاً خاصاً )وضع مدينة متروبولية(، على غرار ما أضحى معمولا به عبر دول العالم، وذلك حتى يتم أخذ خصوصياتها بعين الاعتبار.
ويَهُمُّ المحور الثاني، تعزيز آليات القيادة والتنسيق والتقييم، من خلال العمل على :
■ إعادة النظر في نمط الحكامة المعتمد في إعداد وتنفيذ برامج التنمية الجهوية، والعمل في هذا الصدد على إحداث هيئة للحوار والتنسيق يتولى رئاستها بشكل مشترك والي الجهة ورئيس مجلس الجهة، وتسمح بإشراك ممثلي المجالس المنتخبة والمصالح اللاممركزة؛
■ تنظيم ملتقى جهوي سنوي للتشاور، يضم مجموع الفاعلين بالمجال الترابي المعنيين، وتكون الغاية منه بالأساس تعزيز اقتسام المعلومات وتبادل الممارسات الجيدة بشكل مستمر، والنهوض بالتنسيق والالتقائية واندماج السياسات الترابية؛
■ العمل بشكل تلقائي على إنجاز دراسات حول تأثير التدابير والبرامج التنموية المعتمدة من لدن الجهة والجماعات الترابية الأخرى والمصالح اللاممركزة على عيش الساكنة.
أما المحور الثالث، فَيَهُمُّ تحسين آليات تمويل الجماعات الترابية، عبر السهر بشكل خاص على :
■ بلورة رؤية في مجال تمويل الجماعات الترابية، على المدى المتوسط والطويل، على أن تكون هذه الرؤية ملائمة للمتطلبات الجديدة للتنمية الترابية وللاختصاصات المنوطة بالإدارات الترابية؛
■ حصر الجبايات المحلية في ضريبتين محليتين أساسيتين، أولاهما تشمل الرسوم المتعلقة بالسكن، والثانية تَهُمُّ النشاط الاقتصادي؛
■ جعل التأشير على ميزانيات الجماعات الترابية المعنية مشروطا بالإعمال الفعلي لآليات الافتحاص الداخلي ومراقبة التدبير المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية.
ويشمل المحور الرابع تعزيز الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي، وذلك من خال استكمال آلية المشاركة المواطنة المنصوص عليها في الدستور )الفقرة 3 من الفصل 12 ( والذي يخول للجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، الحق في المساهمة، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. ويحتاج إعمال هذه الآلية إلى إصدار قانون يبين كيفيات سيرها كما يحدد الأدوار والمسؤوليات المنوطة بالأطراف المعنية.
مقدمة
يندرج مسلسل الجهوية المتقدمة بالمغرب في إطار ورش كبير تشهده البلاد في مجال التجديد المؤسساتي، حيث يأتي في سياق مطبوع بالعديد من الإصلاحات الهامة التي تطال أنماط تنظيم وتنفيذ تدخات الدولة، والتي تقتضي التحسين المستمر للمقاربات والآليات المعتمدة في مجال الحكامة الترابية. وتُعَرَّفُ الحكامة الترابية على أنها ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لأغراض تدبير الشأن العام في مجال ترابي جهوي معين. وتستند على مجموعة من الآليات والعمليات والمؤسسات التي تتفاعل من خلالها مصالح الأفراد والمجموعات، ويمارسون حقوقهم، ويضطلعون بالتزاماتهم ويعملون على تسوية خلافاتهم. وقد مكنت الإصلاحات التي جرى إطلاقها لحد الآن من تحقيق تقدم مهم، كما أنها تعبر عن إرادة السلطات العمومية في تمكين الباد من تنظيم ترابي قادر على رفع التحديات الجديدة في مجال التنمية الترابية، وعلى الاستجابة بشكل مناسب لانتظارات المواطنات والمواطنين. وفي هذا الصدد، أضحت الإدارة الترابية للمملكة، المناط بها تدبير شؤون المواطنات والمواطنين، مرتكزة على دعامتين متلازمتين ومتكاملتين، ألا وهما الجماعات الترابية اللامركزية ومصالح الدولة اللاممركزة. ويتعين على هاذين الفاعلين الحرص على التنسيق الأمثل مع باقي الفاعلين )الاقتصاديين والجمعويين والأكاديميين، إلخ.(، وذلك من أجل ضمان اندماج وانسجام أفضل للبرامج والمشاريع والتدابير والمبادرات التي يتم تنفيذها بالمجال الترابي، وكذا ضمان مشاركة فعلية للمواطنين في تدبير الشأن العام.
لقد حددت القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، التي جرى اعتمادها سنة 2015 ، مهام كل مستوى من مستويات اللامركزية : حيث خولت للجهات مكانة الصدارة في المجال الاقتصادي، بينما أناطت بالأقاليم والعمالات اختصاصات مهمة في مجال النهوض بالتنمية الاجتماعية والحد من مظاهر الفقر والهشاشة. أما في ما يخص الجماعات، فقد حددت تلك القوانين نطاق تدخلاتها أساسا في تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين.
لقد شكل دخول المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري حيز التنفيذ، خطوة حاسمة على درب تكريس الجهوية المتقدمة.
ويرمي هذا الميثاق إلى إجراء توزيع جديد للاختصاصات بين المستوى المركزي وباقي المستويات الترابية لإدارة. وهي مبادرة تطمح إلى الرفع من فعالية العمل
الحكومي من خال تعزيز السلطات المفوضة للمصالح اللاممركزة. ويندرج إصاح المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، في نفس المنظور.
وإذا كانت هذه الإصلاحات قد أثمرت ترسانة تشريعية وتنظيمية مهمة، فإنها أفضت أيضا إلى تعدد في الفاعلين والهيئات الذين يتدخلون في مختلف المستويات الترابية. لذلك فإن تنوع طرق ومستويات هذه التدخات يقتضي التحلي بقدرة كبيرة على التنسيق، وتبني أشكالٍ جديدة للتعاون والعمل الجماعي. وقد عمل المجلس خال هذا الرأي، على الوقوف عند نقاط قوة الإصلاحات التي تم إطلاقها في مجال التنظيم الترابي الجديد وإبراز ما يعتريها من مواطن ضعف، وذلك بهدف تقديم توصيات غايتها إرساء
حكامة ترابية قادرة على توجيه الفعل العمومي وإدراجه في منطق الاستدامة، مع تبني استراتيجيات استباقية ومتسمة بالالتقائية على صعيد مختلف المستويات الزمنية والمجالية.
ولهذا الغرض، ركز التقرير على التحديات الحالية التي يواجهها تنزيل الإطار القانوني والمؤسساتي والتنظيمي للحكامة الترابية، وكذا على دور الدولة بالجهة.
ويتناول التقرير أيضا القضايا المتعلقة بإرساء وتنفيذ مسلسل التخطيط، وكذا آليات الديمقراطية التشاركية، ومنظومة المعلومات الترابية، وآليات الحكامة الترابية، لا سيما الإدارة الترابية والوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع وشركات التنمية المحلية والتعاون بين الجماعات، ومجالي التعاون والشراكة. وأخيرا، يتناول التقرير مسألة جودة الخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين، التي تشكل تحديا هاما من تحديات الحكامة الترابية.
أهداف الإحالة الذاتية
يهدف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول موضوع «الحكامة الترابية : رافعة من أجل تنمية منصفة ومستدامة » المنبثق عنه هذا الرأي، إلى تقديم عناصر إجابة عن الإشكاليات المطروحة في مجال الحكامة الترابية. حيث يركز التقرير على التحديات القائمة حاليا في ما يتصل بتنزيل الإطار القانوني والمؤسساتي والتنظيمي للحكامة الترابية وعلى دور الدولة بالجهة. ويسعى إلى تحليل العلاقات والتفاعات بين الجماعات الترابية والإدارات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص. ولتحقيق هذه الغاية، يركز التقرير بشكل خاص على الجوانب التالية :
■ مكتسبات وأوجه محدودية ورش الجهوية المتقدمة في ما يتعلق بالحكامة الترابية؛
■ التقدم المحرز من لدن الجماعات الترابية دون الجهوية المناطة بها مهام الاضطاع بالتنمية الاجتماعية وبخدمات القرب : الأقاليم، العمالات والجماعات؛
■ دراسة العلاقات والتفاعات بين الفاعلين في مختلف مستويات التنظيم الترابي : الجهة، الإقليم، الجماعة.
■ ظروف تفعيل مسلسل اللاتمركز الرامي إلى تنزيل سياسة الدولة على المستوى الترابي وتمكينها من مواكبة الهيئات المنتخبة، من خال تدخات أكثر فعالية بمجموع تراب المملكة.
ومن هذا المنظور، ترمي هذه الإحالة الذاتية إلى تحقيق الأهداف التالية :
■ رسم صورة عامة عن التقدم المحرز في تنزيل الإصاح الترابي، وعن الصعوبات التي يواجهها هذا المسلسل منذ إطلاقه؛
دراسة الآليات المؤسساتية والتنظيمية التي جرى وضعها، مع التحقق من مدى استجابتها لمبادئ الحكامة التي نص عليها دستور المملكة، وبخاصة مبادئ الإدماج والشفافية والفعالية؛
■ تحديد الاختلالات الرئيسية التي يواجهها الفاعلون في المجالات الترابية؛
■ اقتراح آليات كفيلة بتعزيز إشراك الفاعلين الترابيين والمحليين، من القطاع الخاص والعام والمجتمع المدني، في ديناميات تنمية المجالات الترابية؛
■ تقديم مقترحات تضع المواطن في صلب انشغالات الحكامة الترابية، من أجل تحقيق تنمية مستدامة ومنسجمة، وتثمين الموارد البشرية والمؤهات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تزخر بها الجهات.
وقد تم أخذ الأبعاد المتعلقة بمقاربة النوع الاجتماعي، ومشاركة الشباب والتنمية المستدامة، وضمان ولوج جميع مكونات المجتمع إلى الخدمات، بعين الاعتبار بشكل عرضاني في هذا التقرير. منهجية العمل تم الاعتماد في إنجاز التقرير، المنبثق عنه هذا الرأي، أساسا على الوثائق التالية :
■ النصوص التشريعية والقوانين التنظيمية المتعلقة بتنظيم الجماعات الترابية ومراسيمها التطبيقية،
والمرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري؛
■ تقرير اللجنة الاستشارية للجهوية؛
■ تقارير وآراء ودراسات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛
■ تقارير ودراسات المندوبية السامية للتخطيط؛
■ تقارير المجلس الأعلى للحسابات؛
كما جرى الاعتماد على نقاشات موسعة مع مختلف الفئات المكونة للمجلس وعلى مقاربة تشاركية قامت
على إشراك مختلف الفاعلين المعنيين بالموضوع، من خال تنظيم لقاءات مع عدد من المختصين في
المجال )أساتذة وباحثون...(، وعقد جلسات إنصات مع ممثلي العديد من المؤسسات.
وتم أيضا تنظيم ورشات موضوعاتية استضافت ممثلي القطاعات الوزارية ومنظمات المجتمع المدني
ومقاولات القطاع الخاص والمؤسسات الدولية العاملة في مجال التنمية على المستوى الترابي.
كما جرى الانكباب على دراسة بعض التجارب المهمة والممارسات الفضلى الدولية في مجال الحكامة
الترابية.
وبالإضافة إلى ذلك، تم تنظيم زيارتين ميدانيتين، واحدة لجهة مراكش-آسفي والأخرى لجهة سوس-
ماسة.
التشخيص والتحليل
منذ دخول القوانين التنظيمية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى حيز التنفيذ، شهدت
منظومة الحكامة الترابية لبلادنا تحولات مهمة.
وقد بلغ تنزيل هذا الإصاح، الذي جرى إطلاقه سنة 2015 ، مرحلة متقدمة نسبيا حاليا. لذلك، بات من
الضروري اليوم استخلاص الدروس من المسار الذي تم قطعه لحد الآن، وتقييم تأثيره على طرق تدخل
الدولة والفاعلين بالمجالات الترابية بمختلف مستوياتها.
وقد مكن تشخيص وتحليل الوضعية الحالية للحكامة الترابية من الخروج بالخلاصات الرئيسية التالية :
الإطار التشريعي والتنظيمي
إن الإطار القانوني والمؤسساتي الحالي المُنَظِّم للحكامة الترابية هو ثمرة مسار طويل من التطور تم
ارتكازا على ثوابت المملكة، لا سيما مبدأ فصل السلط داخل دولة موحدة وملكية دستورية.
ويترجم إقرار دستور سنة 2011 ودخول الترسانة القانونية والتنظيمية المنبثقة عنه حيز التنفيذ، إرادة
وطموح المملكة في إجراء إصلاحات عميقة تَهُمُّ تنظيم مجموع أجهزة الدولة. وقد تجسد هذا التطور
أساسا في اعتماد المقاربة الترابية التي تعتبر محورا رئيسيا لهذا الإصاح، حيث نص الدستور على أن
«التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة 1» .
ويهدف هذا الإصاح أيضا إلى تعزيز مبادئ الحكامة الجيدة التي كَرَّسَها الدستور، ألا وهي الشفافية
والمحاسبة والحياد والنزاهة واحترام المصلحة العامة والمراقبة والتقييم.
ويتميز إطار التنظيم الترابي الجديد، بتكريس السلط المُخَوَّلَة للجهات وباقي الجماعات الترابية بموجب
الوثيقة الدستورية. وفي هذا السياق، لا شك أن النص على انتخاب أعضاء مجلس الجهة بالاقتراع
العام المباشر، بهدف تعزيز شرعيتهم، يعتبر من بين الإصلاحات الكبرى التي جرى اعتمادها. من جهة
أخرى، شكل تخويل رؤساء المجالس الجهوية الصلاحية التنفيذية وصِفَة الآمر بقبض المداخيل وصرف
النفقات، خطوة كبرى على درب تطبيق مبدإ التدبير الحر الذي ينص عليه الدستور.
فبعد أربع سنوات من إعمال نموذج الحكامة الترابية الجديد، بموجب القوانين التنظيمية التي دخلت
حيز التنفيذ سنة 2015 ومن بعدها المراسيم التطبيقية البالغ عددها 68 مرسوما، ومن خال تحليل هذا
النموذج والاطاع على تقييم مختلف الفاعلين الذين تم الإنصات إليهم، يتبين أنه لا يزال دون الطموح
المعبر عنه في بداية هذا المسار. وثمة العديد من العناصر التي تؤكد هذه الملاحظة.
أولا، ثمة ضعفٌ في تَمَلُّكِ المنتخبين لطرق التدبير الجديدة المنصوص عليها في القوانين التنظيمية،
وهي طرق تتطلب فهما حقيقيا لأدوار ومسؤوليات كل فاعل متدخل في المجال الترابي على حدة.
ثانيا، يَبْرُز من خال تحليل الوضعية الحالية لإعمال اختصاصات الجماعات الترابية )الجهة، الإقليم/
العمالة، الجماعة( أن تفعيلها يواجه العديد من الصعوبات. ذلك أن توزيع المهام في إطار منظومة
الجهوية المتقدمة يقوم على ثاث مجموعات كبرى من الاختصاصات موزعة وفق المنطق التالي:
■ الجهة : جرى تخويلها طابعا وتَوَجُّهاً اقتصاديا بالأساس، وتبويؤها مكانةَ الصدارة في ممارسة
الاختصاصات ذات الطابع المُهَيْكِل من قبيل إعداد التراب )التصميم الجهوي لإعداد التراب(،
وبرنامج التنمية الجهوية، والاضطاع بمهام التنمية الاقتصادية التي تغطي مجموع المجال الترابي
التابع لها؛
■ أما الأقاليم والعمالات فقد أناط بها المشرع مهام النهوض بالتنمية الاجتماعية خاصة في الوسط
القروي وكذا المجالات الحضرية بالإضافة إلى تعزيز التعاضد والتعاون بين الجماعات المتواجدة
بترابها. وتعد الأقاليم والعمالات بوصفها مستوى ترابياً وسيطاً بين الجهة والجماعة، فاعا مهما
في التنزيل الترابي للسياسات العمومية في مجال مكافحة الفقر؛
■ وفي ما يتعلق بالجماعات، فقد أنيطت بها مهام تقديم خدمات القرب للمواطنات والمواطنين
وإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة. وقد تم الاحتفاظ بالمقتضيات القانونية
المطبقة على المدن ذات نظام المقاطعات، الواردة في الميثاق الجماعي الصادر سنة 2009 مع
بعض التعديات الطفيفة. لكن على وجه العموم، لم ترتق المقتضيات الجديدة بالمدن الكبرى
للمملكة إلى وضع «كبريات المدن المتروبولية »، على غرار التوجه العالمي في هذا المجال.
وينص الفصل 143 من الدستور على أنه لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة
أخرى.
ثالثا، يواجه إعمال آلية التعاقد العديد من الصعوبات المرتبطة بشكل خاص بالوفاء بالالتزامات المتفَق
عليها واحترام كل طرف من الأطراف المتعاقدة لالتزاماته. صحيح أن البنود الواردة في العقود التي قد
يتم إبرامها بين الدولة والجماعات الترابية تعد مبدئيا بنودا ملزمة بين المؤسسات العمومية، غير أن
هذا الطابع الإلزامي لن يعدو أن يكون إلزاما نظريا في غياب آلية للضمان ينص عليها القانون وقواعد
احتراز مقبولة من لدن الأطراف المعنية.
رابعا، في مجال إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، فإن الجهة تتبوأ،
تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في نطاق احترام
الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. كما ينص هذا الفصل على أنه كلما تعلق الأمر بإنجاز
مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها. غير أن هذا
المقتضى الدستوري يظل في حاجة إلى آليات تنفيذ واضحة تمكن الجهة من تنظيم العمل الجماعي
لمختلف الفاعلين بشكل منسجم، من أجل إعداد وتنفيذ برامج التنمية الجهوية.
لقد تبين من خال التنفيذ الميداني لهذه المرحلة الأولى من الجهوية المتقدمة، أنه في بعض الجهات
لم يتم إعمال المقتضى الدستوري المتعلق بصدارة الجهة خال مختلف مراحل تخطيط برامج التنمية
على المستوى الترابي. وقد لاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خال الزيارات الميدانية
التي قام بها في معرض إنجاز هذا التقرير أنه تمت بلورة برامج التنمية الجهوية وبرامج تنمية العمالة
أو الإقليم وبرامج عمل الجماعات دون الأخذ بعين الاعتبار مبدأ صدارة الجهة وبدون تنسيق حقيقي بين
الأطراف المعنية، بالإضافة إلى غياب أي آليات للاندماج على مختلف المستويات.
وأخيراً، نجد أنه تم الإبقاء على مبدأ المراقبة القبلية على التدخات والقرارات والخيارات الكبرى
ذات التبعات المالية التي يقوم بها المنتخبون. كما أن مَصْدَر الموارد المالية الضرورية لتنمية المجالات
الترابية وكيفيات وأوجه تخصيصها، تظل رهينةً في جانب كبير منها، إن لم نقل جميعُها تقريبا، بالسلطة
التقديرية للحكومة.
اللاتمركز الإداري
يقتضي تنزيل الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، إحداث تحول عميق في طرق اشتغال الإدارة. ويرمي
هذا الميثاق إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية :
■ إرساء إدارة لاممركزة فعالة تضع المواطن في صلب انشغالاتها؛
■ مواكبة الجماعات الترابية من خلال تقديم الاستشارة والدعم التقنيين؛
■ ضمان التقائية السياسات العمومية، من أجل إضفاء فعاليةٍ أكبرَ على جهود النهوض بتنمية المجالات
الترابية.
يضطلع الوالي بمهمة تمثيل الدولة على المستوى الجهوي، ويشرف على المصالح اللاممركزة وينسق
عملها، كما يضطلع بالتنزيل الترابي للسياسات العمومية وترجمتها الملموسة بالمجالات الترابية، من
خال :
■ تحديد وإعمال استراتيجية الدولة بالجهة؛
■ توزيع الموارد اللازمة لذلك، مع إشراك المنتخبين على المستوى الترابي.
أما تمثيل الإدارات المركزية على مستوى الإقليم والعمالة فيضطلع به العامل، حيث يقوم هذا الأخير
بالوساطة بين مختلف المستويات الترابية وبتنفيذ السياسات الترابية.
إن كلا من الميثاق الوطني للاتمركز الإداري وكذا التوزيع الجديد للاختصاصات المخولة للجماعات
الترابية، يشكلان خطوتين تمنحان لأصحاب القرار، على جميع المستويات، فرصة حقيقة لإعادة تحديد
نمط تنظيم مصالح الدولة والمهام التي تضطلع بها. وهو الأمر الذي يقتضي بشكل خاص العمل على :
■ مراجعة المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتنظيم المالية العمومية والمحاسبة العمومية؛
■ تجميع الاعتمادات )القانون التنظيمي للمالية(، التعاقد وبلورة كراسة جهوية للميزانية؛
■ إعادة النظر في هيكلة الوزارات ومراجعة تنظيم القطاعات ومصالحها؛
■ إصاح النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، مع العمل على تثمين الوظيفة العمومية الترابية
واعتماد منظومة تدبير قائمة على النتائج والأداء والمحاسبة. ويجب أن تكون هذه المنظومة موجهة
نحو خدمة المواطن وأن يتم تقييمها على هذا الأساس.
وقد تبين من خلال التحليل أن ميثاق اللاتمركز الإداري تعتريه بعض أوجه المحدودية، أبرزها ما يلي :
■ إن المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري هو في الواقع آلية تنظيمية ذات طابع تقني صِرفٍ.
لذلك، ولكي يرتقي لمستوى ميثاقٍ فعلي، يجب أن يتضمن مقتضياتٍ متعلقةٍ بالحكامة الجيدة؛
■ إن نطاق تطبيق المرسوم يقتصر على المصالح التابعة للوزارات ويستثني المؤسسات والمقاولات
العمومية؛
■ لا يحدِّد المرسوم المتعلق بالميثاق الوطني للاتمركز الإداري آليات لضمان التعاون والتنسيق والتكامل
بين المصالح اللاممركزة للدولة، الموضوعة تحت إشراف والي الجهة، ومصالح الإدارة الجهوية؛
■ غياب آلية مناسبة لإشراك المنتخبين وممثلي المجتمع المدني والمهنيين والمرتفقين؛
■ غياب «عامل الاستعجال » في إعادة تنظيم الإدارات على المستوى المركزي والترابي. كما أن تطبيق
المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز لم يُواكبه إرساء مُخَطَّطٍ للتَّحَوُّل التنظيمي ) PTO (، يُشْرَكُ فيه
مجموع الفاعلين )المنتخبون، أعضاء المجتمع المدني، الفاعلون الاقتصاديون والمرتفقون(؛
■ لا يحدد المرسوم بمثابة ميثاق وطني للاتمركز كيفيات تسيير التمثيليات الإدارية الجهوية القطاعية
)الدور، التنسيق، التكامل، الالتقائية...(؛
الديمقراطية التشاركية والمشاركة المواطِنة
تتطلب الحكامة الترابية مشاركة المواطنات والمواطنين بشكل مباشر أو عبر تنظيماتهم في تدبير
شؤونهم عبر مختلف آليات المشاركة المواطِنة والديمقراطية التشاركية. وتمكن هذه الآليات من مشاركة
المواطنات والمواطنين في تدبير الشأن العام وانخراطهم في برامج تنمية مجالهم الترابي.
وتُعَدُّ الديمقراطية التشاركية آلية تكميلية للديمقراطية التمثيلية، إذ لا يمكن أن تَحُلَّ محلها أو أن تكون
بدياً عنها.
وحسب الفصل الأول من الدستور: » يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها
وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة .»
كما ينص الفصل 12 منه على ما يلي: « تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات
غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة
والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة،
طبق شروط وكيفيات يحددها القانون ». غير أن هذا القانون لم ير النور بعد، مما نجم عنه فراغ قانوني
حقيقي يتعين سده من أجل تمكين فاعلي المجتمع المدني من ممارسة الدور المنوط بهم بموجب
الدستور.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تجسيد مقتضيات الدستور الواردة في الفصلين 1 و 12 عند صياغة القوانين
التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، تحديداً على مستوى الباب الرابع المتعلق بالآليات التشاركية
للحوار والتشاور.
فحسب الفصل 139 من الدستور، «تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية
للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها .»
وقد تناولت المادة 116 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات أحكام هذا الفصل، غير أنها أسندت
أمر تحديد كيفيات أجرأته، والتي كان ينبغي تنظيمها بوجب مقتضيات تشريعية، إلى الأنظمة الداخلية
للمجالس المنتخبة.
ويتبين من خال مقتضيات المادة 117 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، أن مفهوم المشاركة لم
يتم أخذه بعين الاعتبار في هذا القانون. حيث اقتصرت هذه المادة على تحديد الآليات التشاورية
عبر النص على هيئات استشارية تُحْدَثُ بمبادرة من المجالس المنتخبة. وتظل هذه الهيئات شأنا
داخليا للمجالس المنتخبة ولا يمكنها بأي حال من الأحوال تعويض آليات المشاركة المباشرة للمواطنين
والمواطنات في مسلسل اتخاذ القرار على الصعيد المحلي.
وتنص الفقرة الثانية من الفصل 139 من الدستور على حق المواطنات والمواطنين والجمعيات في تقديم
العرائض. حيث يتم تسجيلها في جدول أعمال المجلس للتداول في شأنها، بعد التأكد من استيفائها
لشروط القبول ومن كونها تدخل ضمن اختصاصات المجلس. ويتعين على هذا الأخير أن يخبر أصحاب
العريضة والمواطنين بمآل عريضتهم مع نشرها على أوسع نطاق، بما في ذلك من خال استعمال
الدعامات الجديدة للتواصل.
إن ضعف التواصل والتوعية بهذه الآلية في صفوف الساكنة يفسِّر العدد القليل جدا من العرائض على
الصعيد الجهوي سواء التي تم تقديمها أو تلك التي جرت معالجتها. وينطبق الأمر ذاته على آليات تدبير
وتتبع الملاحظات والاقتراحات والتظلمات التي نص عليها الفصل 156 من الدستور 2 والتي لم تر النور
بعد في العديد من الإدارات.
تخطيط وطرق تدبير مشاريع التنمية على الصعيد الترابي
يُعَد التخطيط مُكونا أساسيا في الحكامة، إذ يتيح تجسيد الرؤية المعتمدة وتنزيلها في شكل برامج
ومخططات عمل على المدى القصير والمتوسط، كما يسمح بإشراك مجموع الشركاء في مشروع مشترك.
تشكل برامج تنمية الجماعات الترابية التي كرسها نص الدستور، الأداة الأساسية التي يمكن من خلالها
تجسيد رؤية المنتخبين وباقي الفاعلين الترابيين وترجمة الخيارات التي استقروا عليها، وفق مقاربة
تشاورية، من أجل الاستجابة لانتظارات الساكنة المحلية وتطلعاتها.
واعتباراً لمبادئ الانسجام والتكامل، يجب على التخطيط الجهوي أن يعتمد سيرورة منطقية تنطلق
من التوجهات الاستراتيجية للسياسة العمومية لإعداد التراب ) OPPAT ( والتصميم الجهوي لإعداد
التراب ) SRAT ( وبرنامج التنمية الجهوية وبرنامج تنمية العمالة أو الإقليم وبرنامج عمل الجماعة. كما
يجب ألا يغفل تحقيق التكامل بين المشاريع، وكذا إسهام التدابير والأنشطة المدرجة في برامج تنمية
العمالة أو الإقليم وبرامج عمل الجماعة 3. ويلاحظ أنه لم يتم إعمال هذا المنطق خال إعداد برامج
التنمية الجهوية.
إذ تبين من خال جلسات الإنصات والزيارات الميدانية التي جرى تنظيمها، غياب الاستشارة والتنسيق
بين مختلف المستويات الترابية. وهو الأمر الذي تأكد من خال تحليل برامج التنمية الجهوية. حيث
تبين أن معظمها تمت بلورته دون مراعاة البرامج المسطرة من لدن الأقاليم والجماعات وفي الكثير من
الأحيان دون إدماج مشاريع وبرامج المصالح اللامركزية.
إن مرحلة الإعداد المشترك لبرنامج التنمية الجهوية لم تشكل موضوع تشاور موسع بين مجموع الفاعلين
الترابيين بشكل يُمَكِّنُهم من الإسهام بشكل فاعل في تنفيذه. ذلك أن ضعف استعمال آليات التفاوض
والتواصل خال هذه المرحلة، والإشراك المحدود للفاعلين المعنيين وكذا ضعف توظيف التكنولوجيات
الرقمية، كلها عوامل تحد من انخراط الفاعلين الترابيين ومن مشاركتهم في مسلسل التخطيط
الاستراتيجي لبرامج التنمية.
الحكامة الترابية وتحديات الخدمات المقدمة للمواطنات والمواطنين
تستمد الحكامة الترابية مغزاها الحقيقي من قدرتها على المساهمة في التحسين الملموس لظروف
عيش المواطنين والمواطنات ورفاههم. ذلك أن الغاية من مجموع آليات الحكامة تَكْمُنُ في تحسين
تجانس ونجاعة التدخات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية من أجل
تحقيق تنمية منسجمة للمجالات الترابية.
وعلى الرغم من الطموح المعبر عنه من خال المقتضيات التشريعية، إلا أن أثر التدابير المتخذة على
جودة الحكامة الاقتصادية الجهوية يظل محدودا. إذ يتعين بذل المزيد من الجهود من أجل إضفاء
الانسجام على الفعل العمومي على المستوى الترابي وضمان تشبعه بثقافة التنسيق والتشاور. ولتحقيق
هذا الهدف، ينبغي على الدولة والفاعلين الترابيين تكثيف وتركيز جهودهم من أجل:
■ السهر على انسجام مشاريع التنمية الترابية وتنفيذها في احترامٍ لاختصاصات كل طرف؛
■ دعم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في مسلسل تحديد صِبْغَتِها وطَابَعِها الاقتصادي المُمَيِّز،
بهدف تيسير وضع مشاريع وبرامج تخلُق القيمة المضافة وفرص الشغل لفائدة الجميع، لاسيما
الشباب؛
■ تيسير التنسيق بين مجموعات غير متجانسة من الفاعلين على المستوى الترابي؛
■ الإسهام في تطوير آليات واسعة النطاق للتشاور، من أجل تيسير عملية التحديد المشترك للمسارات
المستقبلية للتنمية الاقتصادية للمجال الترابي المعني.
وتتسم الموارد المالية للجماعات الترابية بضعف تنوعها وارتهانها الكبير بالدولة. ينضاف إلى ذلك
ضعف مساهمة الجماعات الترابية في الاستثمار العمومي. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للنهوض
بالتنمية الاقتصادية للجهات، فإن الفوارق لا تزال قائمة وتشكل تحديات كبرى يتعين مواجهتها مستقبلا
خاصةً إذا ما استحضرنا الدور الذي يجب أن تضطلع به الجهات والجماعات الترابية الأخرى في إطار
الإصاح العميق للدولة.
ويندرج التنشيط الاقتصادي الترابي وتعبئة القطاع الخاص في صلب الاختصاصات الموكولة للجهة.
ومع ذلك، فإن المبادرات الرامية للنهوض بالمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة تظل غير
كافية. لذلك، فإن تحسين التنشيط الاقتصادي بالمجالات الترابية يحتاج إلى رفع الإكراهات المتعلقة
بالخصاص في العرض العقاري، واستمرار بطء المساطر الإدارية، ومشاكل اللوجستيك، والنقل ومرافق
التدبير )مرافق الإدارة، تجميع الخدمات المقدمة للمقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا.(
وسيُمَكِّنُ إنشاء أقطاب التنمية من الاستفادة من المزايا المقارنة التي تتمتع بها كل جهة بفضل مؤهلاتها
الخاصة، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية، مثل القطاع الفلاحي والصناعة الفلاحية والصناعة
والمجال الرقمي والطاقة. وهي كلها قطاعات يمكن أن تحفز على خلق الأنشطة وتوفير فرص الشغل
في المجالات الترابية.
ومن خلال تحليل مجال الحكامة الاقتصادية للجماعات الترابية، تبين ما يلي:
■ لم يتم احترام مبدأ صدارة الجهة في مجال التنمية الجهوية الذي ينص عليه القانون التنظيمي
للجهات، ولا سيما في مجال التنمية الاقتصادية وذلك بسبب تداخل اختصاصاتها الذاتية مع فاعلين
آخرين؛
■ لم يتم نشر الحصيلة السنوية لأنشطة الجهات، طبقا للقانون التنظيمي للجهات، حتى تتوضح الرؤية
بالنسبة للمستثمرين والرأي العام؛
■ الموارد المالية للجهات تتسم بالمحدودية وتظل مرتهنة بشكل كبير بالدولة؛
■ ضعف تثمين المؤهلات الطبيعية التي تزخر بها الجهات؛
■ نقص الموارد البشرية المؤهلة.
أما بالنسبة للحكامة الترابية لمجال التنمية الاجتماعية، فإنها تعاني من غياب مقاربة تَدَخُّلٍ موحدة
ومنسقة. ذلك أن الإصاح الترابي الذي باشرته المملكة وجرى تكرسيه من خال إطاق ورش الجهوية
المتقدمة وتنفيذ مسلسل اللاتمركز طرح مقاربة جديدة لمسألة التنمية الاجتماعية والدور الذي يجب أن
تضطلع به الجماعات الترابية في هذا المجال. وقد تم بموجب هذا الإصاح اعتبار الأقاليم والعمالات
ذات مكانة رائدة في مجال التنمية الاجتماعية وأنيطت بها اختصاصات تتعلق بالنهوض بالتنمية
الاجتماعية. وعاوة على ذلك، يمكن للأقاليم والعمالات أن تقوم في إطار تعاقدي مع الدولة بالمساهمة
في التأهيل الاجتماعي في مجالات الصحة، والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات.
ومن أجل الاضطاع بهذه المهام، ينبغي العمل على نقل الاختصاصات المتصلة بها إلى الأقاليم والعمالات
مع توفير الموارد اللازمة التي تتطلبها تلك الاختصاصات. ذلك أن الميزانيات التي تتوفر عليها حاليا
العمالات والأقاليم تبقى متواضعة للغاية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي العمل على تدقيق وتوضيح كيفيات
قيام التعاون بين الأقاليم والعمالات ومختلف الفاعلين )اللجوء إلى آلية التعاون بين الجماعات، صندوق
التضامن بين الأقاليم والعمالات( من أجل تحقيق الالتقائية بين التدخات.
من جهة أخرى، يُلاحَظ أن الأنشطة الثقافية التي تقوم بها الجماعات المحلية ظلت دائما متواضعة
ومحدودة للغاية. وتُظهِر مقارنةٌ بسيطةٌ بين الاختصاصات المسندة إلى الجماعات قبلَ وبعدَ مسلسل
الإصاح تراجعا حقيقيا في هذا المضمار، بل وتكشِفُ عن مفارقةٍ تتجلى في إعادة تركيز الاختصاصات
المتعلقة بالتنشيط الثقافي بين يدي الدولة. إذ لم يعد للجماعات أي اختصاص ذاتي تقريبا في المجال
الثقافي، والحال أن الميثاق الجماعي كان يخولها قبل الإصاح الحالي سلطات واسعة في ما يتعلق
بإنجاز وتدبير المرافق الثقافية. أما اليوم فإن اختصاصاتها باتت تنحصر في تنظيم المهرجانات، كما
أنها تظل في الكثير من الأحيان مرتهنة بتدخل السلطة المركزية.
وخال الزيارات الميدانية، تم التطرق لضعف الالتقائية بين تدخات الفاعلين الترابيين في المجال
الثقافي، وكذا غياب التنسيق بين المستويين الجهوي والوطني في ما يتصل بالاستثمار في التراث
الثقافي، بغية تحويل موروثنا الثقافي إلى رأسمال دينامي نابض بالحياة. لذلك ينبغي تشجيع المبادرات
التي يتم إطلاقها في ميدان تثمين التراث الثقافي والنهوض به في إطار تعاون وشراكة يجمعان الفاعلين
المعنيين، بمن فيهم الجماعات الترابية.
وفي هذا الصدد، يمكن مباشرة عدة أنواع من الشراكات لتعزيز وتنويع العرض الثقافي وملاءمته ليتناسب
مع تطلعات الساكنة، لاسيما الشباب، وذلك من خال العمل بشكل خاص على النهوض بالتعاون بين
الجماعات في المجال الثقافي، وتعزيز المصالح اللاممركزة من أجل تحقيق التقائية حقيقية للأنشطة
الثقافية على المستوى الجهوي.
حماية البيئة
تكتسي حماية البيئة أهمية قصوى في السياسات العمومية الترابية، حيث تعتبر جودة البيئة شرطا أساسيا
للرفع من جاذبية المجالات الترابية والنهوض بالتنافس بين الجهات والحواضر الكبرى. وباعتبارها عاملاً
أساسياً في الحفاظ على إطار العيش في الوسط الحضري والقروي، تتطلب حماية البيئة تدخل عدة
فاعلين تُسنَدُ إليهم بموجب القانون مهمات مختلفة. غير أن تعدد الفاعلين المتدخلين في هذا المجال،
سواء على المستوى المركزي أو الترابي، إضافة إلى تنوع الأجهزة وكثرتها وعدم تناسقها أو ترابطها مع
اشتغالها بمنطق قطاعي محض، كل ذلك يطرح العديد من الصعوبات في التنسيق، ويؤدي إلى غياب رؤية
مندمجة وأحيانًا إلى نزاعات بين عدة فاعلين. لذلك، يقتضي تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة
اليوم تعبئة حقيقية من طرف جميع الفاعلين، وإعادة تحديد الأدوار والانخراط الفعال لجميع الأطراف
المعنية على المستوى الوطني والترابي.
نظام المعلومات الترابي
تقتضي الحكامة الجيدة بالضرورة إحداث نظام معلومات متكامل، سلس ومشترك يتقاسمه مجموع
الفاعلين على المستوى الترابي. ويستند الولوج إلى المعلومات واستخدامها على مبدأين رئيسيين هما
إنتاج المعلومات وإنشاء نظام معلومات على المستوى الترابي موحد ومتاح الولوج.
وخال الزيارة الميدانية، تبين أن الحصول على المعلومات يطرح إشكالية حقيقية، كما عَبّر جميع
الفاعلين الذين جرى الإنصات إليهم عن حاجتهم الملحة للتوفر على نظامِ معلوماتٍ دينامِيٍّ ومُوَحَّدٍ على
المستوى الجهوي يكون مُتاحَ الولوجِ ومتقاسماً مع مجموعِ الفاعلين بالمجال الترابي.
وينبغي أن يتم الاضطاع بحكامة منظومة المعلومات الترابية في إطار تعاون فعلي بين مختلف هياكل
الدولة والجماعات الترابية، وذلك في أفق إنشاء مرصد للإعام والاتصال على مستوى كل جهة. يتعلق
الأمر هنا بتزويد الجهات باستراتيجية للذكاء الترابي. فبدل أن تظل مجرد طالب للمعلومات، يتعين على
الجهات أن تكون قادرة على إحداث وتدبير منظومة للمعلومات خاصة بها. وقد يتخذ المرصد المشار
إليه شكل ﻤﺠﻤو ﺔﻋ ذات ﻊﻔﻨ عام ) GIP ( بشراكة مع الجامعات والمندوبية السامية للتخطيط وجمعيات
المنتخبين والمجتمع المدني. وينبغي أن تُمَكِّنَ هندسة هذه الآلية من مظافرة موارد الجهة وتجميع
المعطيات المتأتية من مختلف المصادر اعتمادا على معايير وبروتوكولات للتبادل محددة مسبقا.
الحكامة الترابية وآليات المراقبة
يشكل اعتماد آليات جديدة للتدبير تقدماً مهماً في مسلسل الإصاح الترابي الذي باشرته المملكة.
وتُجَسِّدُ أشكالُ التجديدِ والابتكارِ والتحسينِ التي جرى إدخالها على مستوى التنظيم وأنماط التدبير
إرادَة الدولة في تمكين الجهات وباقي الجماعات الترابية من وسائل العمل الحديثة التي توفر للمنتخبين
المحليين هامشا للعمل أوسع نسبيا، مما يُمَكِّنُ من ترسيخ مبدأ التدبير الحر.
ومن بين المستجدات ذات الدلالة المهمة، تجدر الإشارة إلى إحداث الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع،
وشركات التنمية الجهوية وشركات تنمية العمالة أو الإقليم وشركات التنمية المحلية، فضا عن تدابير
ترمي إلى تعزيز التعاون بين الجماعات، وكلها توجهات وتدابير تقتضي دعما قويا من لدن الدولة
ونهوضا بالتعاون والشراكة مع الجماعات الترابية.
غير أن ثمة جملة من أوجه القصور التي تعتري هذه الدينامية والتي تطال من جهة مدى تملك وتنزيل
مبادئ الحكامة من لدن الفاعلين بالمجالات الترابية، كما تطال من جهة أخرى مجال القيادة والإشراف
وكذا التنسيق والالتقائية بين مختلف المستويات المجالية )الدولة، الجهة، الإقليم/العمالة، الجماعات(
ومختلف الفاعلين )المنتخبون، الإدارة، الفاعلون الاقتصاديون، المجتمع المدني(.
وبخصوص كيفيات المراقبة، فإن الحكامة الترابية الجيدة تقتضي إرساء منظومة مراقبة فعالة. وقد جاء
الإصاح الذي تم إطلاقه بالعديد من الآليات المبتكرة في هذا المضمار، وهي آليات يتطلب إعمالها
تحولا عميقا في سلوك الفاعلين الترابيين في تدبيرهم للشأن الجهوي والمحلي. وقد نصت القوانين
التنظيمية المتعلقة بالجهات وباقي الجماعات الترابية على العديد من آليات المراقبة والافتحاص
والتقييم، غير أنه لم يتم تنفيذها لحد الآن، والحال أنها تعد أدوات عمل مهمة تتمثل الغاية منها في
جعل أداء الإدارات المحلية أكثر فعالية.
هكذا، وباستثناء المراقبة القبلية، فإنه لم يتم بَعْدُ تنفيذ الآليات الأخرى المنصوص عليها في القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية، رغم أهميتها. علما أنه بفضل المراقبة الداخلية والمراقبة البَعدية سيكون
بمقدور الجماعات الترابية أن تتجاوز بشكل أفضل المخاطر التي ينطوي عليها تدبير الشأن العام،
وتحسين أدائها والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين والمواطنات.
إن ممارسة المراقبة، في إطار منظومة للحكامة الترابية الجيدة، لا ينبغي أن تنحصر في المراقبة
القبلية، دون أن تنكب على جودة التدبير ونتائجه.
لذلك، من الضروري جعل مراقبة التدبير أثناء مزاولة المهام أمرا تلقائيا، وإرساء المراقبة البعدية، مع
الحرص على مأسستها داخل إدارة الجماعات الترابية وجعلها مستجيبة للمعايير المعمول بها. وهو الأمر
الذي يقتضي تعميم وتسريع عملية تكوين أطر مختصة في مجال الافتحاص والمراقبة.
ومن شأن إرساء المراقبة الداخلية، أن يمكن هيئات المراقبة العليا للدولة من التوفر على كل المعطيات
والمعلومات اللازمة للاضطاع بمهامها. وسيمكن ذلك من تيسير مهمة هذه الهيئات ومن تسريع مسلسل
المراقبة. ومن شأن هذه المقاربة أن تمكن أيضا من إرساء منظومةٍ للمراقبةِ المواكبةِ شبيهة بتلك
المطبقة على المؤسسات العمومية، يكون الهدف منها التخفيف، إلى أبعد حد ممكن، من المراقبة
القبلية على الجماعات الترابية، لا سيما تلك التي تبذل جهودا أكبر في تحسين أنظمة تدبيرها الداخلية
وحكامتها.
مداخل التغيير
لقد تم تكريس الإصاح الترابي للمملكة بموجب دستور 2011 ، ثم جرى إطلاقه بشكل فعلي سنة 2015 .
وفي هذا الصدد، اتُّخِذت العديد من التدابير لوضع هذا المسلسل على سكة التنفيذ، مما سمح بتحقيق
تقدم لا يمكن إنكاره. غير أن وتيرة الإصاح ظلت على العموم متسمة بالكثير من البطء والانتظارية.
وقد مكنت عملية التشخيص والتحليل التي قام بها المجلس من الوقوف على العديد من أوجه القصور
التي من شأن معالجتها التسريع بتنزيل هذا الإصاح الترابي الجاري تنفيذه :
. 1استمرار أوجه القصور في ما يتعلق بِتَمَلُّكِ وتنزيل الإصلاح الترابي
■ ضعف تَمَلُّكِ الفاعلين بالمجالات الترابية والمواطنين لمبادئ الحكامة؛
■ استمرار أوجه الخصاص في ما يتعلق بالتنسيق والالتقائية بين مختلف المستويات الترابية )الدولة،
الجهة، الأقاليم/العمالات والجماعات(، ومختلف الفاعلين )المنتخبون، الإدارة، الفاعلون الاقتصاديون،
المجتمع المدني(؛
■ غياب آليات لتنزيل المبادئ العامة للحكامة الترابية )التدبير الحر، صدارة الجهة، مبدأ التفريع،
التمايز، والتدرج...(.
. 2التباس ونقص في الدقة يعتريان بعض مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية
■ تتسم المقتضيات المتعلقة بالاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة للجماعات الترابية، بطابع
مجردٍ وفضفاض، مما يجعل من تحديد نطاق تدخل الفاعلين في المجال الترابي مهمة صعبة؛
■ عدم وجود آلية تسمح للجماعات الترابية بممارسة الاختصاصات الذاتية )التكوين المهني، التنمية
القروية، النقل، الثقافة، البيئة، الاستثمار، دعم المقاولة، السياحة إلخ.(. عدم دقة النصوص القانونية
بخصوص الطابع الحصري والالزامي لممارسة الجهات لاختصاصاتها الذاتية؛
■ غياب مسطرة واضحة تبين مختلف مراحل وكيفيات إعداد العقود بين الدولة والجهة. إذ ينبغي
تحديد مختلف السلطات المسؤولة، في كل مستوى من مستويات الحكامة، المركزي منها أو الجهوي،
عن بلورة وتتبع وتقييم وإبرام العقود. ذلك أن القانون لم ينص صراحة على تخويل والي الجهة
صلاحية توقيع هذا النوع من العقود باسم الدولة )العقود المتعلقة بممارسة الاختصاصات ونقل
الاختصاصات وتحويل الموارد المالية المطابقة لممارسة الاختصاصات المنقولة، وعقود التمويل(؛
■ عدم استحضار الطابع المستعجل لعملية إعادة تنظيم الإدارات على المستوى المركزي والترابي،
طبقا لمرسوم اللاتمركز الإداري، كما أن هذا المرسوم لم تتم مواكبته بمخطط للتحول التنظيمي
PTO( (، يقوم على إشراك مجموع الفاعلين )المنتخبون، ممثلو المجتمع المدني، الفاعلون الاقتصاديون
والمرتفقون(؛
. 3خصاص في تفعيل آليات القيادة والإشراف والتنسيق في مجال الحكامة الترابية
على المستوى الوطني والجهوي
■ لم تتم بَعْدُ مأسسة التنسيق بين القطاعات الوزارية والمجالس المنتخبة، سواء على المستوى
الوطني أو الجهوي، في ما يتعلق بالحكامة الترابية؛
■ إن غياب إطارٍ ملائم للقيادة والإشراف والتنسيق، وكذا عدم توفر وثائق نموذجية للاستئناس
تستجيب لخصوصيات كل جهة، أثر بشكل سلبي على جودة المقاربة الاستراتيجية وعلى آجال
إعداد وتنفيذ برامج التنمية في بعض الجهات؛
. 4إشكالية التمويل : الموارد المالية المخصصة للجماعات الترابية تبقى محدودة
وشديدة الارتهان بالدولة
■ إن ضعف الموارد الذاتية للجماعات الترابية يجعلها مرتهنة بشكل كبير بالدولة، مما يحد من إعمال
مبدأ التدبير الحر؛
■ يؤدي ضعف استغلال الإمكانات الجديدة المتاحة على المستوى الترابي إلى ضعف في تنويع الموارد
الذاتية للجهات. وتَهُمُّ هذه الإمكانات : تثمين التراث الجهوي، واستثمار المؤهات غير المادية،
وتوسيع الوعاء الجبائي، وتعزيز عمليات تحصيل المستحقات المالية، وتشجيع عقد الشراكات
المبتكرة والتعاون الدولي، إلخ.
التأخر في تفعيل الاستفادة من الموارد الإضافية المنصوص عليها في القوانين التنظيمية، في إطار
صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات.
. 5عدم استكمال الإصاح المتعلق بآليات الديمقراطية التشاركية واتسام وتيرته
نسبيا بالبطء
■ عدم استكمال مكونات الترسانة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بتفعيل آليات الديمقراطية التشاركية،
طبقا لمقتضيات الفصل 12 من الدستور الذي يخول للفاعلين في المجتمع المدني الحق في
المساهمة في إعداد السياسات العمومية، وفي تفعيلها وتقييمها؛
■ غياب استراتيجية لتكوين ومواكبة مختلف الفاعلين )المنتخبون، الجمعيات، السلطات الترابية...(
من أجل تمكينهم من فهم وتملك المكتسبات الدستورية المحققة في مجال الديمقراطية التشاركية
والمشاركة المواطِنة. غياب ضمانات قانونية تسمح بحماية حق الفاعلين بالمجتمع المدني في تدبير
مساهمة المواطنات والمواطنين «في إعداد برامج التنمية وتتبعها » )الفصل 139 من الدستور(، حيث
إن القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية اكتفت بالإشارة إلى أن إعمال هذا الحق سيتم
طبقا للكيفيات المحددة في النظام الداخلي للمجالس المنتخبة.
. 6منظومة لتدبير الموارد البشرية على المستوى الترابي تتسم بضعف جاذبيتها
■ لحد الآن، لم يتم وضع نظام أساسي خاص بموظفي إدارة الجماعات الترابية، يكون ملائما لمتطلبات
التنظيم الترابي الجديد )المادة 127 من القانوني التنظيمي المتعلق بالجهات(. كما أن مقتضيات
القانون التنظيمي المتعلق بالجهات لا تسمح بوضع أسس وظيفة عمومية ترابية فعالة وتطورية،
تأخذ بعين الاعتبار مختلف المهن الممارسة بالجماعات الترابية.
. 7غياب نظام معلومات موحد تتقاسمه كل الأطراف المعنية
■ لا تتوفر الجهات )الإدارة والجماعات الترابية( على نظام للمعلومات خاص بمجالها الترابي يكون
مرتكزا على آليات تضمن مقاربة تشاركية وتعاونية ومندمجة تضم مختلف الأطراف المعنية. وهو
غياب يؤثر سلبا على إعداد وثائق التخطيط الترابي.
. 8غياب آلية للتتبع والتقييم المستقل على المستوى الترابي
■ ضعف في إعمال الآليات الداخلية للمراقبة والافتحاص والتقييم المنصوص عليها في القوانين
التنظيمية المتعلقة بالجهات وباقي الجماعات الترابية، علماً أنها آليات غايتها إضفاء الفعالية على
أداء الإدارة المحلية؛
■ إن المراقبة الممارَسة على أعمال الجماعات الترابية غالبا ما تتم من زاوية مراقبة مدى جدوى
وأولوية المشروع أو التدبير المعني، بدلا من الاقتصار على مراقبة مدى قانونيته، كما ينص على
ذلك القانون.
التوصيات
تتمحور توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص الحكامة الترابية حول ثمانية محاور.
وهي توصيات يقتضي تفعيلها مراعاة الأبعاد المتعلقة بمقاربة النوع الاجتماعي، ومشاركة الشباب والتنمية
المستدامة، وضمان ولوج جميع مكونات المجتمع إلى الخدمات.
. 1توضيح الاختصاصات
. 1تعديل القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية بما يسمح بتوضيح اختصاصاتها، عبر
تحديد نطاق تدخل كل مستوى من المستويات الترابية حسب طبيعة الاختصاص؛
. 2توضيح العلاقات بين المصالح اللاممركزة للدولة وبين الجماعات الترابية؛
. 3إعطاء مضمون ملموس لمكانة الصدارة التي تم تخويلها للجهة، وذلك من خال وضع آليات
وكيفيات واضحة من شأنها تمكين الجهة من تنظيم العمل الجماعي بين مختلف الفاعلين بشكل
منسجم، من أجل تنفيذ برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب؛
. 4تخويل المدن الكبرى بالمملكة وضعاً خاصاً )وضع مدينة متروبولية(، على غرار ما هو معمول به
في العديد من بلدان العالم، وذلك بغية مراعاة خصوصياتها؛
. 5إشراك المجالس المنتخبة في مرحلة إعداد الاستراتيجيات القطاعية من لدن المصالح اللاممركزة
للدولة على مستوى الجهة.
. 2التعاقد
. 6وضع إطار مؤسساتي لتدبير منهجية التعاقد التي نصت عليها القوانين التنظيمية، يوضح الشروط
والإجراءات والكيفيات التي يتعين احترامها في تدبير مسلسل الحوار والتعاقد بين الأطراف المعنية،
بدءا من مرحلة التحضير إلى غاية التنفيذ والتتبع والتقييم؛
. 7تحويل اختصاص تسليم الوثائق الإدارية التي تهم المواطن إلى المصالح اللاممركزة للدولة؛
. 8اعتماد مخطط للتحول التنظيمي من أجل مواكبة تفعيل المرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق وطني
للاتمركز الإداري الصادر في 26 دجنبر 2018 ، وذلك بهدف تحسين قدرات الفاعلين وتيسير تملكهم
للتغيير؛
. 9تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة على المستوى الجهوي، وجعلها آلية لضمان التقائية
وأجرأة السياسات القطاعية وأهداف التنمية المستدامة؛
. 10ربط نقل الاختصاصات إلى الجهات بمعايير موضوعية ودقيقة.
. 3آليات القيادة والإشراف والتنسيق
. 11إعادة النظر في نمط الحكامة المعتمد في إعداد وتنفيذ برامج التنمية الجهوية، والعمل في هذا
الصدد على إحداث هيئة للحوار والتنسيق تضم ممثلين عن المجالس المنتخبة ومدراء المصالح
اللاممركزة وتُسْنَد رئاستها بشكل مشترك لوالي الجهة ورئيس مجلس الجهة؛
. 12تنظيم ملتقى جهوي سنوي للتشاور، يضم الفاعلين بالمجال الترابي المعنيين )المنتخبون، المجتمع
المدني، المِهَنيون، المراكز الجهوية للاستثمار،...(، وذلك من أجل تعزيز تقاسم المعلومات وتبادل
الممارسات الجيدة، والنهوض بالتنسيق والالتقائية واندماج السياسات الترابية وتطوير التفكير ذي
البعد الجهوي؛
. 13وضع آليات لمواكبة الجماعات الترابية، عبر إحداث قطب للخبرة الجهوية يمكن من توحيد ومظافرة
الوسائل لفائدة الجماعات التي تحتاج أكثر من غيرها للدعم في مجال الإشراف على تنفيذ
المشاريع؛
. 14إرساء معايير موضوعية تبرر اللجوء إلى إحداث شركات التنمية المحلية/شركات التنمية/شركات
التنمية الجهوية أو أي نمط آخر من أنماط التدبير. وينبغي أن يشكل النمط الذي يقع عليه الاختيار
الحل الأمثل الكفيل بتلبية حاجيات المرتفقين واحترام مبدأ الاقتصاد في تعبئة الوسائل؛
. 15جعل المقتضيات القانونية المؤطرة لشركات التنمية الجهوية والمحلية أكثر مرونة، بحيث تمكن
الفاعلين الخواص من تعبئة موارد مالية أكبر، وتخولهم إمكانية امتاك أغلبية أسهم هذا النوع
من الشركات )اتفاق المساهمين(، مع وضع أنظمة أساسية متنوعة بما يسمح بتجاوز الإكراهات
التي تواجهها الجماعات الترابية في مجال التمويل ويمكنها من استقطاب المزيد من المستثمرين
الخواص؛
. 16جعل إحداث مؤسسات التعاون بين الجماعات/مجموعات الجماعات الترابية أمرا إجباريا عندما
يقتضي ذلك تدبير مرفق عمومي ذي مصلحة عامة، لا سيما في مجال معالجة وتثمين النفايات،
وتدبير الحركية والتنقل الحضري أو تدبير تجهيزات كبرى موجهة لربط مناطق تضم كثافة سكانية
مهمة.
. 4تمويل الجماعات الترابية
. 17بلورة رؤية استراتيجية في مجال تمويل الجماعات الترابية، على المدى المتوسط والطويل، على
أن تكون هذه الرؤية ملائمة للمتطلبات الجديدة للتنمية الترابية وللاختصاصات الجديدة المنوطة
بالإدارات الترابية، وذلك في إطار تشاوري واسع النطاق؛
. 18تفعيل عملية تحويل الدولة للموارد المالية اللازمة لممارسة الاختصاصات المنقولة للجماعات
الترابية؛
. 19تعزيز الموارد الذاتية للجماعات الترابية، من خال مراجعة منظومة الجبايات المحلية وطرق
التحصيل وتشجيع هذه الجماعات على تطوير التعاون الدولي واستغلال ممتلكاتها؛
. 20حصر الجبايات المحلية في ضريبتين أساسيتين، أولاهما تشمل الرسوم المتعلقة بالسكن، والثانية
تَهُمُّ النشاط الاقتصادي؛
. 21ضخ الاعتمادات اللازمة في صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات بما يخول
للجهات التوفر على الوسائل الكفيلة بدعم برامج التنمية وتأهيل المجالات الترابية، مع العمل على
تسريع نشر معايير توزيع اعتمادات هاذين الصندوقين؛
. 22تنويع الخدمات التي يقدمها صندوق التجهيز الجماعي، بما يسمح بجعلها ملائمة للحاجيات
الجديدة للمجالات الترابية في مجال التمويل، وتوفير حلول مناسبة لتنمية العالم القروي، ودعم
المشاريع المرتكزة على التنمية المستدامة، والمساهمة في مبادرات الجماعات في ميدان النجاعة
الطاقية.
. 5الديمقراطية التشاركية
. 23تعزيز الآليات التشاركية، حتى لا تصبح مجرد آليات ذات أدوار رمزية صرفة دون أي أثر فعلي يستجيب
لانتظارات المواطنين والمواطنات. كما يجب أن يتم التعاطي مع الديمقراطية التشاركية كآلية مكملة
للديمقراطية التمثيلية وليست عاما لإذكاء منافسة عقيمة بين الهيئات المنتخبة والفاعلين بالمجتمع
المدني؛
. 24استكمال آلية المشاركة المواطنة المنصوص عليها في الفصل 12 من الدستور، والذي يخول
للجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، الحق في المساهمة، في إطار
الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية،
وكذا في تفعيلها وتقييمها. ويحتاج إعمال هذه الآلية إلى إصدار قانون يحدد كيفيات تطبيقه ويحدد
أدوار ومسؤوليات كل طرف من الأطراف المعنية؛
. 25تعزيز قدرات هيئات المجتمع المدني وتمكينها من الوسائل اللازمة للاضطاع بأدوارها الدستورية،
مع مباشرة تدابير للدعم تتخذ شكل تدابير تحفيزية، وتشجيع انتظام الجمعيات في إطار شبكات
مهيكَلة؛
. 26العمل بشكل تشاركي على تحديد القواعد والمعايير المتعلقة بتمثيلية الجمعيات المهتمة بالشأن
العام والمنظمات غير الحكومية التي تشارك في برامج تنمية الجماعات الترابية ومجموعات
الجماعات؛
. 27العمل وفق مقاربة تشاركية، على اعتماد ميثاق للديمقراطية التشاركية مع ترصيد التجربة التي
جرت مراكمتها في هذا المجال. وينبغي أن يحدد هذا الميثاق القيم الواجب احترامها، وكذا التزامات
الأطراف وطرق التسيير، وأن يتيح إرساء تنظيم أفضل للعلاقات بين الجماعات الترابية والجمعيات،
ويسمح بمأسسة الحوار المدني.
. 6الموارد البشرية والمادية
. 28وضع نظام أساسي للوظيفة العمومية الترابية خاص بالجماعات الترابية، على أن يكون هذا النظام
ملائما لخصوصياتها ومتسماً بجاذبيته وقادراً على استقطاب الكفاءات وأن يأخذ بعين الاعتبار
طبيعة المهن والوظائف الحالية أو المستقبلية المزاولة بالإدارات الترابية وطابعها التطوري )التعاقد
الخارجي/الاستعانة بمصادر خارجية »outsourcing« ، التدبير المفوض، الشراكة بين القطاعين العام
والخاص(. وينبغي أن يسمح هذا النظام بتيسير حركية الموظفين وأن ينهض بتطور مسارهم المهني،
كما يجب أن يمكن من الانفتاح على القطاع الخاص بالنسبة للوظائف التي تتطلب خبرة دقيقة في
بعض الميادين؛
. 29حث الجماعات الترابية، على الحرص في مجال التنظيم وإدارة الموظفين على تجنب الفائض في
الموظفين وتفادي وجود بنيات إدارية تقوم بنفس المهام بالنسبة للبنيات الإدارية التي يمكن أن يتم
الاضطاع بها بطريقة موحدة مع المصالح اللاممركزة للدولة أو في إطار الإشراف المنتدب لإدارة
المشروع )هذا الأخير، يتعين إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم له وملاءمته لتحقيق الهدف
المشار إليه(.
. 7نظام المعلومات
. 30تسريع عملية التحول الرقمي لإدارة الترابية، والعمل على اعتماد إطار تنظيمي خاص بهذا الأمر.
وتكتسي هذه العملية أهمية بالغة لكونها ضرورية لتلبية حاجيات الدولة والجماعات الترابية؛
. 31وضع نظام معلومات فعال وتعميمه على جميع الجهات مع الحرص على ملاءمته مع حاجيات كل
جهة؛
. 32دعم الجهات في إحداث مرصد ترابي لتجميع المعطيات خاص بها. ويمكن أن يأخذ هذا المرصد
شكل مجموعة ذات نفع عام ) GIP ( بشراكة مع الجامعات والمندوبية السامية للتخطيط والمصالح
اللاممركزة وجمعيات المنتخبين والفاعلين بالمجتمع المدني؛
. 33تطوير قواعد البيانات المتعلقة بالجماعات الترابية وتحويلها إلى نطاق المعطيات المفتوحة.
. 8منظومة التقييم
. 34ضمان التتبع والتقييم المستمر لمسلسل اللامركزية، وذلك من أجل التحكم في التكلفة الكبيرة
التي يتطلبها هذا المسلسل، جراء الموارد الجديدة التي ستتم تعبئتها )نفقات التسيير، الموارد
البشرية(، مع العمل على استباق المخاطر؛
. 35تفعيل آليات التتبع والتقييم المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية،
من خال إبرام برامج تعاقدية بين الدولة والجماعات الترابية تهم الإرساء التدريجي لمنظومات
للمراقبة والافتحاص الداخلي والشفافية ونشر الحصيلة السنوية للتدبير، المنصوص عليها في
القوانين التنظيمية الثلاثة؛
. 36ضمان مواكبة الجماعات الترابية ومجموعات الجماعات في هذا المضمار، لا سيما من خال توفير
مسالك للتكوين الإشهادي )ماستر متخصص( لفائدة الأشخاص الذين سيضطلعون بمهام افتحاص
ومراقبة التدبير الداخلي؛
. 37العمل على تقييم مجموع الممارسات في مجال الشراكة والتعاون الجاري بها العمل، من أجل الوقوف
عند نقاط قوتها ومواطن ضعفها، واستقاء الدروس من هذه التجربة، وتحديد سبل تحسينها وتثمين
الممارسات الجيدة التي برزت في هذا الإطار؛
. 38جعل التأشير على ميزانيات الجماعات الترابية المعنية مشروطا بإرساء وتنفيذ مهام الافتحاص
الداخلي ومراقبة التدبير المنصوص عليه في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية؛
. 39العمل بشكل تلقائي وبشراكة مع الأوساط العلمية والمواطنات والمواطنين والمجتمع المدني، على
تقييم المبادرات والبرامج التنموية المنفذة من لدن الجهة والجماعات الترابية الأخرى والمصالح
اللاممركزة، والوقوف بشكل خاص على أثرها على جودة البيئة وعلى إطار عيش الساكنة؛
. 40التقييم التلقائي والدوري للمخططات القطاعية والاستراتيجية من لدن المؤسسات الدستورية
المكلفة بالحكامة الجيدة وبتقييم السياسات العمومية الترابية.
تعليقات
إرسال تعليق