تقديم :
المركزية تنصرف إلى نمط إداري قائم على الانفراد التام في صياغة القرار السياسي والإداري وتسيير الشؤون العامة للدولة انطلاقا من المركز السياسي، العاصمة، أما اللامركزية فيجب التمييز بين اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية، فالأولى تنصب على توزيع جميع وظائف الدولة (التنفيذية- القضائية – التشريعية) بين المركز والجماعات الترابية، ولذلك فهي لا توجد إلا بالدولة المركبة أو الفيدرالية، أما اللامركزية الإدارية فيقصد بها توزيع الوظائف الإدارية فقط، بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات الجماعات الترابية ويتم نظام اللامركزية الإدارية بمواكبة الاتجاهات الحديثة التي ترمي إلى تحقيق مزيدا من الديمقراطية للشعوب ودلك لمساهمتها الفعالة في تدبير الشؤون الإدارية .
تكمن أهمية اللامركزية في كونها وسيلة تمكن المواطنين من المساهمة في اتخاذ القرار وفي تسيير حياتهم العامة، انطلاقا من مجموعة من المبادئ المتعددة كالديمقراطية، وحقوق المواطنين، وفعالية التسيير وغير ذلك من متطلبات المجتمع، نظرا لعجز الدولة عن التواجد في كل مكان وكل وقت
يعتبر اللاتركيز من أبرز الشروط الضرورية للإصلاح الإداري بالمغرب ، ذلك أن اللاتركيز يعطي مجموعة من الامتيازات للإدارة المغربية على المستوى المحلي .
وتقوم هذه الصورة على أساس تخويل بعض موظفي الوزارة في العاصمة أو في الأقاليم بصفة فردية أو في شكل لجان تعين الحكومة أعضاءها حق البث نهائيا في بعض الأمور دون حاجة للرجوع للوزير المختص لاسيما في المسائل التي لا تحتاج إلى مجهود خاص في انجازها وذلك لتخفيف العبء قليلا عن الوزير لتحقيق السرعة في انجاز بعض الأمور الوظيفية الإدارية خاصة بالنسبة للأماكن البعيدة عن العاصمة وسلطة البث هذه لا تعني استقلال الموظفين عن الوزير وإنما يخضعون بالرغم من ذلك إلى اشرفه والى رؤسائهم الإداريين أي في نطاق السلطة الإدارية .
فاللاتركيز الإداري لايهم إلا نقل بعض الصلاحيات لأعوان الدولة مع بقاء هؤلاء خاضعين للسلطة المركزية في إطار السلطة الرئاسية .
تعريف اللامركزية :
هي أن يدبر الناس في الأقاليم شؤونهم بأنفسهم، وذلك عن طريق ممثلين عنهم ينتخبونهم ليكونو أعضاء في المجالس المحلية, و بالتالي فهي نوع من الديمقراطية المحلية..
- توجد في المغرب ثلاثة أنواع من هذه المجالس :
+مجلس الجهة الذي يدبر شؤون الجهة و هو بمثابة برلمان الجهة ( يتوفر المغرب على 12 مجلسا جهويا منتخبا يمثلون الجهات ال 12 للمملكة ) .
+مجلس العمالة/الإقليم الذي يدبر شؤون العمالة/الإقليم (يضم المغرب 75 عمالة/إقليم -13 عمالة و 62 إقليم- موزعة على الجهات الإثنا عشر للمملكة) .
+المجلس الجماعي الذي يدبر شؤون الجماعة (ينقسم المغرب إلى 1503 جماعة موزعة على مختلف عمالات و أقاليم المملكة) .
ويتم تجميع كل من الجهة و العمالة/الإقليم و الجماعة تحت مسمى : الجماعات الترابية (التي كانت تسمى الجماعات المحلية سابقا أي قبل دستور 2011) .
ويتمتع كل مستوى من هذه المستويات الثلاث للجماعات الترابية باختصاصات (ذاتية، و أخرى مشتركة مع الدولة وأخرى منقولة من الدولة) وموارد مالية (خاصة أو محولة من الدولة) .
وتجدون كل التفاصيل المتعلقة بهذه الأمور على مستوى القوانين التنظيمية الثلاث الصادرة في يوليوز 2015 (القانون التنظيمي للجهات، القانون التنظيمي للعمالات والأقاليم والقانون التنظيمي للجماعات) .
تعريف اللاتمركز :
اللاتمركز ويطلق عليه أيضا اللاتمركز الإداري هو تفويض الدولة المركزية (خاصة الوزارات) لبعض صلاحياتها ولجزء من ميزانيتها إلى المصالح الترابية التابعة لها.
أي أن مصالح الدولة المركزية المتواجدة في العاصمة و التي هي الرباط تفوض عددا من صلاحياتها إلى المديريات والتمثيليات والمصالح الخارجية التابعة لها والمتواجدة بباقي مدن المملكة.
إذن لا يتعلق الأمر هنا بممارسة ديمقراطية تتم عن طريق انتخاب ممثلين للساكنة المحلية ليديرو شؤون الجماعات المحلية كما رأينا بالنسبة لللامركزية. وإنما يتعلق الأمر بنمط تدبيري تنظيمي يتم عن طريق توزيع الصلاحيات والميزانية، داخل الدولة، بين مصالحها المركزية والمصالح الخارجية التابعة لها.
فوزير الصحة مثلا يفوض للمندوب الإقليمي للصحة بإقليم ما مثلا تدبير شؤون المستشفيات التابعة لتراب الإقليم وكذا الأطباء والممرضين والإداريين العاملين بها، وتقوم وزارة الصحة بالرباط برصد جزء من ميزانيتها ووضعه تحت تصرف المندوب الإقليمي حتى يتمكن من صرف النفقات الضرورية لسير عمل تلك المستشفيات. وكذلك مثال بالنسبة لباقي الوزارات والإدارات بالمغرب.
تعريف الجهوية :
يعتبر التنظيم الجهوي من الآليات التي استحدثها المستعمر الفرنسي لبسط حمايته على مجموع التراب الوطني، فقد شكلت الجهات وسيلة لبسط السيطرة العسكرية الفرنسية ولم تشكل مجالا للامركزية ومشاركة السكان حتى بعد بسط النفوذ العسكري الفرنسي على كل أجزاء التراب المغربي. وبعد الاستقلال تغيرت الخريطة الإدارية المغربية، ولم تعد هيكلة المجال الترابي قائمة على أساس الجهات، بل تم التخلي عنها لفائدة العمالات والأقاليم. وبالتالي لم تول السلطات العمومية العناية والاهتمام الكافي بالجهة، فالدولة المغربية الحديثة الاستقلال كان اهتمامها في البداية منصبا أساسا على تكريس سلطتها سياسيا واداريا، وبهدف ضمان وحدة الدولة المستقلة واستمراريتها بدت سياسة التقسيم الترابي كسياسة كفيلة بتحقيق التاطير الفعال للسكان وذلك من خلال ربط الإتصال بين المواطنين والدولة عن طريق رجال السلطة المتواجدين على رأس التقسيمات الترابية، فصدر ظهير 1959 الذي قسم المغرب الى عمالات واقاليم, اما الجهات التي تم خلقها سنة 1971
فالجهوية ما هي إلا أحد تمظهرات اللامركزية، و الفرق بينهما طفيف. فهناك دول مركزية بشكل مطلق لا تشرك أي مجالس محلية منتخبة في تدبير شؤون السكان، وهناك دول اعتمدت الجهوية ( على شكل جهات أو كانطونات أو محافظات أو جماعات ...) كشكل من أشكال اللامركزية، وهناك دول فيدرالية ( كألمانيا و روسيا و الولايات المتحدة الامريكية ....) و هناك كونفدراليات (كالاتحاد السوفياتي سابقا).
عندما نتحدث عن اللامركزية فإننا نقصد بها الجهوية.
خاتمة:
من خلال هذه المقارنة ، يتضح أن مفهومي اللامركزية واللاتركيز، وإن كانا يختلفان في الجوهر ، فهما يهدفان الى وضع أسس إدارة القرب وتخفيف الأعباء عن المركز .
ويتضح لنا جليا أن الدستور المغربي الجديد قد ارتقى باللاتركيز الإداري حيث عزز في هذا الصدد من دور الولاة والعمال بجعلهم ممثلي السلطة المركزية والعاملين باسم الحكومة على تأمين تطبيق القانون ،وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها ، وممارسة المراقبة الإدارية.
كما أن الدستور الجديد لبلادنا قد استعمل لأول مرة في تاريخ المغرب منذ الاستقلال مصطلح "المصالح اللاممركزة للادارة المركزية" ، تعبيرا عن رغبة المشرع المغربي في تعزيز مسار اللاتركيز كنمط لتكريس ادارة القرب من الموطنين.
يبقى أن أشير في الأخير إلى أنه لا توجد علاقة تبعية أو تراتبية بين المستويات الثلاث للجماعات الترابية بالمغرب، فالجماعات ليست تابعة تدبيريا للعمالات والأقاليم (بل فقط من ناحية التقسيم الإداري للمملكة)، والعمالات والأقاليم لا تتبع في تدبيرها للجهات. فكل مستوى من هاته المستويات يتمتع بالشخصية المعنوية الاستقلال الإداري عن المستويات الأخرى، لكن هذا لا ينفي مبدأ التعاون بينها, كما جاء في دستور المملكة.
تعليقات
إرسال تعليق